رسائل كيري اليمنية وتعقيدات جولة جديدة من القتال والتفاوض
يمنات
حسين الوادعي
ستبدأ الجولة الرابعة للمفاوضات اليمنية –اليمنية بعد عملية تنفس اصطناعي معقدة لإحياء المسار السياسي تتوجت باللقاء الخماسي في جدة شهر أغسطس الماضي. وما حمله وزير الخارجية الأميركي في حقيبته لم يكن مبادرة متكاملة بقدر ما كان رسائل متفرقة لأطراف الصراع الأربعة.
أرسل كيري رسالة لإيران يحذرها فيه من التورط المستمر في الملف اليمني وخاصة تسليح الحوثيين بالصواريخ. ورسالة للحوثيين أنه لا “فيتو” ضدهم كشريك في السلطة لكن الموقف الدولي نحوهم سيتغير إذا استمروا في عرقلة التوصل لاتفاق. ورسالة للشرعية اليمنية أن المجتمع الدولي ملتزم بإنهاء مفاعيل الانقلاب لكن ليس بالضرورة عبر الالتزام الحرفي بالقرار 2216. ورسالة للسعودية أنه لا حل للأزمة اليمنية بعيداً عن “الاحترام” للسعودية ولا تفريط أميركي في دعم أمن حليفها السعودي.
إلى جانب هذه الرسائل الظاهرة هناك رسائل خفية لكل طرف من الأطراف الأربعة.
رسالة خفية لإيران أن الاتفاق النووي لا يعني أن الولايات المتحدة ستغمض عينها عن التوسع الإيراني المتزايد في المنطقة. ورسالة خفية للحوثيين أن كونهم أقلية لا يتيح لهم المطالبة بنصيب يتجاوز حجمهم وتمثيلهم في المجتمع. ورسالة خفية للشرعية أن الوقت ليس في صالحهم وأن الشرعية لن تظل “شرعية” إلى الأبد. ورسالة خفية للسعودية أن المجتمع الدولي لم يعد يستطيع السكوت أكثر على قتل المدنيين وجرائم الحرب التي يرتكبها التحالف في اليمن.
لا جديد إذن في رسائل كيري إلا دخول السعودية بشكل واضح وعلني كبند من بنود التفاوض لا كطرف فيه، وغياب علي عبد الله صالح رغم وجوده كطرف رئيسي من أطراف التفاوض، وأعتقد أن غياب اسمه سببه أنه الطرف المحلي الوحيد الذي لم يعد يتمتع بدعم أي طرف إقليمي أو دولي. فبعد تخليه عن السلطة بموجب المبادرة الخليجية لم تعد القوى المؤثرة في القرار اليمني ترى فيه حليفاً محتملاً. لكن غياب الحليف الإقليمي أو الدولي لا يعني بالضرورة القدرة على تجاهله في تسوية الوضع الداخلي.
وظيفة ساعي البريد التي لعبها كيري في لقاء جدة لا تقدم إطاراً لحل الأزمة اليمنية التي تنفلت خيوطها من أيدي الجميع.
ترتبط مدينة جدة برمزية هامة في تاريخ الصراع اليمني الحديث. ففيها وقعت مصر والسعودية اتفاقية جدة في اغسطس 1965 التي كانت بداية يمننة الصراع في اليمن والانسحاب التدريجي للخصمين التاريخيين من الساحة اليمنية. كما تم فيها التوقيع على المصالحة الملكية الجمهورية في مارس 1970م، ثم معاهدة يونيو 2000م لحل الخلاف الطويل حول الحدود السعودية اليمنية.
“المقاربة الجديدة” التي تحدث عنها كيري تقتضي استيحاء رمزية اتفاقيات جدة وعقد لقاء سعودي إيراني على غرار لقاء فيصل وعبد الناصر في الستينات للاتفاق على انسحاب تدريجي من الساحة اليمنية يضمن مصالح الطرفين ويهدئ مخاوفهما. يلي ذلك اتفاق مصالحة يمني – يمني على غرار المصالحة الملكية الجمهورية مع الأخذ بعين الاعتبار تغيرات الموقف الدولي والمحلي وحقيقة سيطرة تحالف الانقلاب الداخلي على الأوضاع في أغلب مناطق الشمال.
أتخيل أربع مسارات متتابعة: مسار دولي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا للاتفاق على رؤية دولية موحدة للحل اليمني، يتبعه مسار إقليمي يضم السعودية والإمارات وإيران. ثم تتوقف السعودية عن طرح أجندتها عبر وفد الشرعية وتتوجه لمفاوضات مباشرة مع الحوثي – صالح حول ملف المواجهات الحدودية بصفتها قضية منفصلة عن قضية “استعادة الشرعية” وتطبيق القرار 2216.
و مسار يمني يضم طرفين (الحوثي وصالح من جهة)، و (هادي والقوى السياسية المناهضة للانقلاب من أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر والأحزاب الصغيرة الحليفة). ومن المهم جداً بالنسبة لفريق “الشرعية” أن يدخلوا المفاوضات بصفاتهم السياسية (إصلاح، اشتراكي، ناصري، مستقلين، مؤتمر) بتمثيل عادل بدلاً من حضورهم الغامض كممثلين لهادي لأن المفاوضات لا تدور حول هادي وإنما حول استعادة الشرعية والدولة وبناء السلام.
كما تعلمنا من المفاوضات السابقة فإن عودة المفاوضات لن تعني توقف المواجهات وانما اشتدادها. فكل تقدم على الأرض سيشكل ورقة تلقى على طاولة التفاوض. يتقدم الحوثيون في تعز وتتقدم “الشرعية” في مأرب، ويستمر التحالف في قصف كل الأهداف الممكنة مدنية كانت أو عسكرية كخلفية نارية لجولة جديدة من التفاوض والقتال.
عن : موقع اذاعة صوت هولندا